وإِذا كانَ لا يكونُ في الكلمِ نظمٌ ولا ترتيبٌ إلا بأنْ يصنعَ بها هذا الَّصنيعَ ونحوَهُ وكان ذلك كلُّه مما لا يْرجعُ منه إلى اللفظِ شيءٌ ومما لا يُتصوَّرُ أن يكونَ فيه ومِن صفتهِ - بانَ بذلك أنَّ الأمرَ على ما قُلناه من أنَّ اللفظَ تِبْعٌ للمعنى في النَّظم وأنَّ الكلمَ تترتَّبُ في النُّطقِ بسبب ترتُّبِ معانيها في النَّفس وأنّها لو خَلَتْ من معانيها حتى تتجرَّدَ أصواتاً وأصداءَ حروفٍ لما وقَع في ضميرٍ ولا هَجَس في خاطرٍ أن يجبَ فيها ترتيبٌ ونظمٌ وأن يُجعلَ لها أمكنةٌ ومنازلُ وأنْ يجبَ النُّطق بهذه قبل النطق بتلك . واللّهُ الموفّقُ للصَّواب
فصل
وهذه شُبهةٌ أُخرى ضعيفةٌ عسى أن يتعلَّقَ بها متعلَّقٌ ممَّن يُقْدمُ على القولِ من غيرِ رويّةٍ . وهي أن يَدَّعيَ أنْ لا معنى للفصاحة سِوى التّلاؤمِ اللَّفظيّ وتعديلِ مزاجِ الحُروفِ حتّى لا يتلاقى في النُّطقِ حُروفٌ تثقلُ على اللّسان كالّذي أنشدَه الجاحظ من قولِ الشاعر - السريع - :
( وقبرُ حربٍ بمكانٍ قفرٍ ... وليسَ قربَ قبرِ حَربٍ قبرُ )
وقول ابنِ يَسير - الخفيف - :