ومما يَجِبُ أن يُعلَمَ أنه إِذا كانَ الفعلُ بعدها فعلاً لا يَصِحُّ إِلاّ من المذكورِ ولا يكونُ من غيرِه كالتذكُّرِ الذي يُعْلَمُ أنه لا يكونُ إِلاّ مِنْ أولي الألبابِ لم يحسُنِ العطفُ بلا فيه كما يحسنُ فيما لا يختصُّ بالمذكورِ ويَصحُّ من غيرِه . تفسيرُ هذا أنه لا يحسنُ أن تقولَ : إِنما يتذكرُ أولو الألبابِ لا الجُهَّالُ . كما يحسنُ أن تقولَ : إِنما يجيء ُ زيدٌ لا عمرٌو . ثم إِنَّ النفيَ فيما يجيءُ فيه النَفْيُ يتقدَّم تارةً ويتأخَّرُ أخرى . فمثالُ التأخير ما تراه في قولِكَ : إِنما يجيء زَيْدٌ لا عمرٌو . وكقولِه تعالى : ( إِنَّما أَنت مذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ )
وكقولِ لبيد - الرمل - :
( إِنَّما يَجْزي الفَتى لَيْسَ الجَمَلْ ... )
ومثالُ التقديم قولُكَ : ما جاءني زيدٌ وإِنما جاءني عمرٌو . وهذا ممّا أنتَ تعلَمُ به مكانَ الفائدةِ فيها وذلك أنكَ تَعْلَمُ ضَرورةً أنَّك لو لم تُدْخِلْها وقلتَ : ما جاءني زيدٌ وجاءني عمرٌو لكانَ الكلامُ مع من ظنَّ أنهما جاءاكَ جميعاً وأنَّ المعنى الآن مع دخولِها أنَّ الكلاَم معَ من غَلِط في عينِ الجائي فظنَّ أنه كان زيداً لا عمراً
وأمرٌ آخرُ وهو ليس ببعيدٍ أن يظنَّ الظانُّ أنَّه ليس في انضمام " ما " إِلى " إِنّ " فائدةٌ أكثرُ