وإِذ قد ثَبَتَ ذلك فمن سبيلِك أن تنظرُ فمتى لم يكنِ المعنى على أنه قد كانَ هناك صورةٌ تقتضي أنْ لا يكونَ الفعلُ وحالٌ يَبْعُدُ معَها أن يكونَ ثُمَّ تَغَيَّر الأمرُ كالذي تراهُ في قولِهِ تعالى : ( فذَبَحُوها وما كادُوا يَفْعَلُونَ ) فليس إِلا أن تُلْزِمَ الظاهرَ وتجعلَ المعنى على أنك تزعُمُ أن الفعل لم يقارب أن يكون فضلا عن أن يكون فالمعنى إذاً في بيت ذي الرمة على أنَّ الهوى من رسوخِه في القلبِ وثبوته فيه وغلبتِه على طباعِه بحيثُ لا يُتوهَّم عليه البَراحُ وأن ذلك لا يقارِبُ منه أن يكونَ فضلاً عن أنْ يكونَ كما تقولُ : إِذا سَلا المحبونَ وفَتَروا في محبَّتِهم لم يَقَعْ لي وَهْمٌ ولم يَجْرِ مني على بالٍ أنه يجوزُ عليَّ ما يُشبهُ السَّلوةَ ما يُعَدُّ فترةً فضلاً عن أنْ يوجدَ ذلك مني وأصيرَ إِليه . وينبغي أنْ تعلمَ أنَّهُمْ إِنما قالوا في التفسيرِ : لم يَرَها ولم يَكَدْ فبدؤوا فنفَوا الرؤيةَ ثم عطَفُوا " لم يكَدْ " عليه ليُعْلِمُوك أنْ ليس سبيلُ " لم يكد " هاهُنا سبيلَ " ما كادوا " في قولهِ تعالى : ( فذَبحُوها وما كادوا يَفْعلون ) في أنه نَفْيُ معقِّبٍ على إِثباتٍ وأنْ ليس المعنى على أنَّ رؤيةً كانت من بَعْدِ أن كادتْ لا تكون ولكنَّ المعنى على أنَّ رؤيتَها لا تقارِبُ أنْ تكونَ فضلاً عن أن تكونَ . ولو كان " لم يكد " يوجبُ وجودَ الفعلِ لكان هذا الكلامُ منهم مُحالاً جارياً مَجْرى أن تقولَ : لم يَرَها ورآها . فاعرِفْه
وهاهُنا نكتةٌ وهي أنَّ " لم يكد " في الآيةِ والبيتِ واقعٌ في جوابِ " إِذا " والماضي إِذا وقعَ في جوابِ الشرطِ على هذا السبيلِ كان مُستقبلاً في المعنى فإِذا قلتَ : إِذا خرجتَ لم أخرج كنتَ قد نفيتَ خروجاً فيما يُسْتَقْبَلُ . وإِذا كان الأَمر كذلكَ استحالَ أن يكونَ المعنى