وأنشدوا لبعضِ العرب - الرجز - :
( فإِنْ تعافُوا العدلَ والإيمانا ... فَإِنَّ في أيْمانِنا نِيرانا )
يريدُ أنَّ في أيماننا سيوفاً نضرِبكُم بها . ولولا قولُه أوَّلا : " فإِنْ تعافوا العدلَ والإِيمانَ " وأَنَّ في ذلك دلالةً على أن جوابَه أنهم يُحارَبُون ويُقْسَرُون على الطاعةِ بالسيفِ ثم قولُه : فإِنَّ في أيماننا لمَا عُقِل مرادُه ولما جَازَ أنْ يستعيرَ النيرانَ للسيوفِ لأنه كان لا يُعْقَل الذي يريد لأنا وإن كنَّا نقول : " في أيديهم سيوفٌ تلمع كأَنها شُعَلُ نارٍ " كما قال - الكامل - :
( ناهَضْتُهُمْ والبارِقاتُ كأَنَّها ... شُعَلٌ على أَيديهِمُ تَتَلهَّبُ )
فإِنَّ هذا التشبيهَ لا يبلغُ ما يُعْرَفُ مَعَ الإِطلاق كمعرفتنا إذا قال : " رأيتُ أسداً " أنه يريدُ الشجاعةَ . وإذا قال : " لقيتُ شمساً وبدراً " أنه يريدُ الحُسنَ ولا يقوى تلك القوَّة فاعرفْه
ومما طريق المجازِ فيه الحكمُ قولُ الخنساء - البسيط - :
( تَرْتَعُ ما رتَعَتْ حَتّى إذا ادَّكَرتْ ... فإِنّما هيَ إِقْبَالٌ وإدبارُ )
وذاك أنها لم تُرِدْ بالإِقبال والإِدبارِ غيرَ معناهُما فتكونَ قد تجوَّزتْ في نفسِ الكلمة . وإنما تجوَّزَتْ في أنْ جعلتها لكثرةِ ما تقُبِلُ وتُدبرُ ولغلبة ذاك عليها واتصالِه بها وأنه لم يكنْ لها حالٌ غيرُهما كأنها قد تجسَّمتْ منَ الإِقبالَ والإِدبارِ . وإنَّما كان يكونُ المجازُ في نفسِ الكلمة لو أنها كانت قد استعارتِ الإِقبالَ والإِدبار لمعنى غيرِ معناهُما الذي وُضعا له في اللغة . ومعلومٌ أنْ ليس الاستعارةُ مما أرادتْه في شيء