اعلمْ أنَّ موضوعَ إنما على أن تجيءَ لخبرٍ لا يجهلهُ المخاطَب ولا يدفَعُ صحَّتَه أو لما ينزَّل هذه المنزلة . تفسيرُ ذلك أنك تقولُ للرجل : إنّما هو أخوكَ وإنما هُوَ صاحُبك القديمُ لا تقولُه لمن يجهلُ ذلك ويدفُع صحتَه ولكن لمن يعلَمُه ويُقرُّ به . إلاَّ أنَّك تريدُ أن تنبهَهُ للذي يجبُ عليه من حقِّ الأخِ وحرمِة الصاحِب . ومثُله قولُ الآخَرِ - الخفيف - :
( إنَّما أَنْتَ والِدٌ والأَبُ ... القاطِعُ أَحْنَى مِنْ واصِلِ الأوْلادِ )
لم يُردْ أن يُعْلم كافوراً أنه والدٌ ولا ذاك مما يحتاجُ كافورٌ فيه إلى الإِعلام ولكنه أراد أن يذَكِّرَه بالأمِر المعلوم لينبنيَ عليه استدعاءُ ما يوجُبه كونُه بمنزلة الوالدِ . ومثلُ ذلك قولُهم : إنّما يعجلُ مَنْ يَخْشَى الفَوْتَ . وذلك أنَّ منَ المعلومِ الثابتِ في النفوسِ أن مَنْ لم يخشَ الفوتَ لم يَعْجَلْ . ومثالُه منَ التنزيلِ قولُه تعالى : ( إنَّما يستجيبُ الذينَ يَسْمَعونَ ) وقولُه تعالى ( إنما تُنذِرُ مَنِ اتَّبعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بالغيبِ ) وقولُه تعالى : ( إنَّما أنتَ مُنذِرُ مَنْ يخشاها ) . كلُّ ذلكَ تذكيرٌ بأمْرٍ ثابتٍ معلوم . وذلك أنَّ كلَّ عاقلٍ يَعْلَمُ أنه لا تكونُ استجابةٌ إلاّ ممَّن يسمعُ ويَعقِلُ ما يقالُ له ويُدْعى إليه . وأنَّ مَنْ لم يسمعْ ولم يَعْقِلْ لم يستَجِبْ . وكذلك معلومٌ أَنَّ الإِنذارَ إنما يكونُ إنذاراً ويكونُ له تأثيرٌ إذا كان معَ مَنْ يؤمنُ بالله ويخشاه ويُصَدِّقُ بالبعثِ والساعِة . فأما الكافُر الجاهلُ فالإنذارُ معه واحدٌ . فهذا مثالُ ما الخبِر فيه خبرٌ بأمرٍ يعلَمُهُ المخاطَبُ ولا ينكِرهُ بحالٍ
وأمَّا مثالُ ما ينزَّلُ هذه المنزلةَ فكقولِه - الخفيف - :