( . . . . . . . . . . . . . . . . وإنَّما ... يُدافِعُ عَنْ أَحْسابِهِمْ أَنا أَوْ مِثْلي )
شيءٌ لو لم يصنعْهُ لم يصحَّ له المعنى . ذاك لأنَّ غرضَه أن يخصَّ المدافِعَ لا المدافعَ عنه . وأنه لا يزعمُ أنَّ المدافعة منه تكون عن أحسابِهم لا عن أحسابِ غيرهم كما يكونُ إذا قال : وما أدافِعُ إلا عن أحسابِهم . وليس ذلك معناه إنَّما معناه أن يزعم أنَّ المدافِعَ هو لا غيرُه فاعرفْ ذلك فإن الغلطَ كما أظنُّ يدخلُ على كثيرٍ ممن تسمعُهُم يقولونَ : إنه فَصَلَ الضميرَ للحملِ على المعنى . فيرى أنه لوْ لم يفصِلْه لكان يكونُ معناه مثلَه الآن . هذا ولا يجوزُ أن يُنْسَب فيه إلى الضرورةِ فيجعلَ مثلاً نظيرَ قولِ الآخَرِ - الهزج - :
( كأنَّا يَوْمَ قُرَّى إنْما ... نقْتُلُ إيّانا ! )
لأنَّه ليس به ضرورةٌ إِلى ذلك من حيث إنَّ أدافِعُ ويدافِعُ واحدٌ في الوزن فاعرِفْ هذا أيضاً
وجملةُ الأمْر أنَّ الواجبَ أن يكونَ اللفظُ على وجهٍ يجعلُ الاختصاصَ فيه للفرزدق وذلك لا يكونُ إِلاّ بأن يقدِّمَ الأحسابَ على ضميرِه وهو لو قال : وإِنما أدافِعُ عن أحسابهم استكنّ ضميرُه في الفعل فلم يُتصوَّر تقديمُ الأحسابِ عليه ولم يقعِ " الأحساب " إِلاَّ مؤخَّراً عن ضميرِ الفرزدق . وإِذا تأخرتِ انصرفَ الاختصاصُ إِليها لا محالة
فإِنْ قلتَ : إِنَّه كان يمكنه أن يقولَ : " وإِنما أدافِعُ عن أحسابهم أنا " فيقدِّمَ الأحسابَ على " أنا " . قيل إِنه إِذا قال : أدافِعُ كان الفاعلُ الضميرَ المستكنَّ في الفعلِ وكان " أنا " الظاهرُ تأكيداً له أعني للمستكنِّ . والحكمُ يتعلَّقُ بالمؤكَّد دون التأكيد لأنّ التأكيدَ