فقد اتَّضح إذاً اتَّضاحاً لا يدعُ للشكَّ مجالاً أنَّ الألفاظَ لا تتفاضَلُ من حيث هي ألفاظٌ مجرَّدةٌ ولا من حيثُ هي كلمٌ مفردةٌ . وأن الألفاظَ تَثُبتُ لها الفضيلةُ وخلافُها في ملاءمةِ معنى اللفظةِ لمعنى التي تليها أو ما أشبه ذلك مما لا تعلُّق له بصريحِ اللفظ . وممَّا يشهدُ لذلك أنك تَرى الكلمةَ تروقُك وتُؤنسك في موضعٍ ثم تَراها بعينِها تثقلُ عليكَ وتُوحشكَ في موضعٍ آخرَ كلفظِ الأَخدع في بيتِ الحماسة - من - الطويل - :
( تَلَفَّتُّ نَحْوَ الحَيَّ حَتّى وَجدْتُنِي ... وَجِعْتُ من الإِصْغاءِ لِيْتاً وأخدعا )
وبيت البحتري - الطويل - :
( وإنّي وإنْ بَلَّغْتَنِي شَرَف الغِنى ... وأَعْتَقْتَ مِنْ رِقَّ المطامِعِ أَخْدَعِي )
فإنَّ لها في هذين المكانَين ما لا يخفى منَ الحُسن . ثم إنّكَ تتأمَّلُها في بيتِ أَبي تمام - من المنسرح - :
( يا دَهْرُ قَوَّمْ مِنْ أَخْدَعَيْكَ فقدْ ... أَضْجَجْتَ هذا الأَنامَ مِن خُرْقِكْ )
فتجدُ لها منَ الثِقلَ على النفسِ ومن التَنْغيصِ والتكدير أضعافَ ما وجدتَ هناك منَ الرَّوْح والخفَّة والإِيناسِ والبهجة . ومن أعجبِ ذلك لفظةُ " الشيءِ " فإِنك تَراها مقبولةً