ومن تفقه في أساليب اللغة العربية وعرف أن لخفة الألفاظ على الأسماع وحسن جرسها في فصاحة الكلام وبلاغته أيقن أن القرآن فذ الأفذاذ في بابه وعلم الأعلام في بيانه لأن ما فبه من الأساليب البلاغية والموسيقى اللفظية أمر فاق كل فوق وخرج عن كل طوق ولو أن قرءانا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا فأنى لمخلوق بعد هذا أن يحاكيه بترجمة مساوية أو مماثلة سبحانك هذا بهتان عظيم
دفع الشبهات الواردة على منع هذه الترجمة
الشبهة الأولى ودفعها
يقولون إن تبليغ هداية القرآن إلى الأمم الأجنبية واجب لما هو معروف من أن الدعوة إلى الإسلام عامة لا تختص بجيل ولا بقبيل وهذا التبليغ الواجب يتوقف على ترجمة القرآن لغير العرب بلغاتهم لأنهم لا يحذقون لغة العرب بينما القرآن عربي وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ونجيب على هذه الشبهة
أولا بأن هذا التبليغ لا يتوقف على ترجمة القرآن لهم تلك الترجمة العرفية الممنوعة بل يمكن أن يحصل بترجمته على المعنى اللغوي السالف وهو تفسيره بغير لغته على ما شرحناه آنفا ويمكن أن يكون بتبليغهم هداية القرآن وتعاليمه ومحاسن الإسلام ومزاياه ودفع الشبهات التي تعترضهم في ذلك إما بمحادثات شفهية وإنما بمؤلفات على شكل رسائل تنشر أو مجلات تذاع أو كتب تطبع يختار الداعي من ذلك ما هو أنسب بحال المدعوين وما هو أيسر له وأنجح لدعوته فيهم
ثانيا أن الله تعالى لم يكلفنا بالمستحيل لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وقد أشبعنا القول في بيان استحالة ترجمة القرآن بذلك المعنى العرفي استحالة عادية فواضح ألا يكلفنا الله إياها